أرجو التسلسل في قراءة الموضوع الى الآخر ، ففيه العجب
.
المشهور بين الناس أن الزبور ، هو ما نزل على داوود عليه السلام ، في حين إذا رجعنا الى القرآن في سورة الانبياء ، نجد ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) ، فهل الزبور هو كتاب داوود عليه السلام ؟؟ لا نجد ذلك بصراحة في هذا النصّ .
جاء في الآية 163 من سورة النساء( وآتينا داوود زبورا ) هكذا ( زبورا ) ، ولم يصرح القرآن ،لم يصرح القرآن أن الله أعطى داوود (الزبور) .
جاء في سورة فاطر( وإن يكذبوك فقد كذّب الذين من قبلهم جائتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المبين ) إذاً هناك رسل جاؤوا بالزبر ، أي أن هناك زُبُر ، نزلت على عدّة رسل ، وهذا مصرّح في كثير من الآيات ، فداوود أعطاه الله زبور من الزُبُر ، وليس الزّبور ، كما هو واضح في الأدلّة السابقة ، ف ( وآتينا داوودا زبورا ) لا يعني أنّ الزبور هو كتاب خاص لداوود كما هو مشهور عند الكثيرين .
فما هو معنى الزبور؟؟ ، وأعظم تفسير للقرآن هو ، تفسير القرآن بالقرآن .
ما معنى الزبر في اللغة ؟؟ جاء في آية 53 من سورة المؤمنون( فتقطّعوا أمرهم بينهم زبُراً ، كلّ حزب بما لديهمك فرحون ) واضح أنّ المقصود ( زبرا)، هنا ( قطعاً ) زُبُرا ، قِطعا ، أي( فتقطعوا أمرهم بينهم قطعا ، كل حزب بما لديهم من قطعة ، فرح)
وجاء في سورة الكهف آية 96 على لسان ذو القرنين (آ توني زبر الحديد ) ، أي آتوني قطع الحديد ، وهذا يعني أن الزبر فيه معنى التقطيع ، وأنّ الزبرة هي القطعة ، وجمعها زُبَر ، وعليه يمكن أن نقول إنّ الزبور هو: كتاب أقتُطع من غيره من الكتب ، وليس المقصود به الكتاب بالذات ، ولماذا لم يقل الله تعالى ( وآتينا داوود كتاباً ) ؟؟!
ولو كان معنى الزبور الكتاب ، فما معنى قوله تعالى
( جائتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ) فلو كان المقصود بالزبر أي بالكتب ، فلماذا التفريق بينهما في القرآن الكريم ؟؟! فما معنى التفريق؟؟؟!
لمّا استفتينا القرآن وجدنا أنّ الزبر فيه معنى التقطيع ، وعليه ، يمكن أن نقول: أنّ الزبور هو : كتاب أقتُطع من غيره من الكتب ، أي قطعة من كتاب .
والكتاب يمكن أن يكون سبق أن نزل ، ثمّ نزلت منه قطع على أنبياء آخرين بعد ذلك ، أي قطع أُخذت من كتاب ينزل ، ونزل قبل ذلك على إعتبار وحدة دعوة النبياء في الجانب العقائدي فلا يمنع أن ينزل شيء من الكتب على انبياء كانت نزلت مع أنبياء سابقين .
فالزبور ، قطع من كتاب قد نزل سابقاً أو سينزل لاحقاً ،
والمعلوم أنّ أهل السنة ، أختلفوا مع المعتزلة بالقول في أن القرآن غير مخلوق ، ووجوده ، لا بداية له ، أي أزليّ ، فهو سابق في الوجود وسابق في اللوح المحفوظ ، وهو أسبق من وجود الكتب ومن وجود الرسل .
ونزل القرآن أخيراً ، مع وجوده السابق .
فالقرآن موجود قبل نزول الكتب الأخرى ، ولكنّه نزل أخيراً ، أي آخر ما نزل .
فما معنى قول الله تعالى ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) ، هنا الذي نرجّحه أنّ الذكر هو القرآن ، فكيف يكون الزبور من بعد الذكر؟؟؟!!! الآية واضحة أنّ الكتابة في الزبور كانت بعد الذكر ؟؟،
والمعلوم أن القرآن هنا لا يتحدّث عن النزول ، بل يتحدّث عن الكتابة .
(ولقد كتبنا )، والمعلوم أنّ الذكر ( أي القرآن مكتوب أوّلاً في اللوح المحفوظ قبل النزول ) ، فإذا صحّ أنّ الزبور هو قطعة من الكتاب ، يصبح الأمر واضح لدى كلّ متدبّر ، أنّ الزُبُر ، أُخذت من القرآن الكريم ، وأُعطيت لأنبياء ، آخرين ، ليتعبّدوا الله بها ، أي قطع من القرآن الكريم أُعطيت للأنبياء قبل نبينا عليه الصلاة والسلام ، أي إضافة الى الكتاب المنير مع الأنبياء ، فإنّهم أعطوا ، شيئاً من القرآن ( الموجود بين أيدينا الآن ) يتلونها في صلواتهم ، ويتقربون بها الى الله ، وباللغة العربية ، كذلك .
وهذا ليس افتراض لأنّ الآيات القرآنية ، والأحاديث الصحيحة تثبت هذا القول .
يقول الله تعالى في حقّ القرآن الكريم ، في سورة الشعراء: ( بلسان عربيّ مبين ، وإنّه لفي زُبُر الأوّلين ) الكلام الآن في سورة الشعراء عن القرآن الكريم ، فهو يعبّر عن القرآن بلسان عربي مبين ، ( وإنّه ) أي القرآن ، ( لفي زُبُر الأوّلين ) ولم يقل ( لفي كتب الأوّلين) ، كما قلنا أنّ الزبُر هي: القطع المأخوذة من القرآن الكريم أُعطيت لأنبياء سابقين، وبلسان عربي مبين ...لأنّه لا تجوز الترجمة للقرآن وهي غير معتبرة ...ولا يجوز التعبّد بترجمة القرآن!
قال الله تعالى : ( [u]وإنّه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين ، وإنّه لفي زُبُر الأوّلين [/u]) وإنّه : أي القرآن ، بلسان عربي مبين ، كان ذلك مع الأنبياء قبل الرسول ، يقرئون أجزاء ( قطع ) من القرآن الكريم ، باللفظة العربية ، في القطع التي أُنزلت على الأنبياء السابقين .
ويمكن أن نعطي الدليل على وجود شيء من القرآن الكريم في كتب السابقين ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربّه فصلّى ، بل تؤثرون الحياة الدنيا ، والآخرة خير وأبقى ، إنّ هذا لفي الصحف الأولى ، صحف إبراهيم وموسى ) ، قد يعمد بعض أهل التفسير أن المقصود ، بِ( إنّ هذا ) هو معاني القرآن ، وهذا صرف لللفظ عن ظاهره ، فيجب أن نأخذ ( هذا ) أي الذي ذُكر وهو على ظاهره ، وهو القرآن .
و نقرأ كذلك قول الله : ( أم لم يُنبّأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفّى ، ألاّ تزر وازرةُ وزر أُخرى وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى وأنّ سعيه سوف يُرى ...) الخ ...
ماذا كان في صحف موسى وإبراهيم الذي وفّى : الإرشادات التي ذُكرت ، في الآية ، ولا يستطيع أن يقول أحد ، أنّ ذلك ، ذُكر بالمعنى ، بل باللفظ ، وهو الظاهر ، فما المعنى أن نصرف اللفظ عن ظاهره ، بلا دليل ؟
فقد ذُكر في صحُف ابراهيم وموسى ، ما ذكره القرآن من الإرشادات السابقة ، : ( ألاّ تزر وازرةً وزر أخرى ) ...ألخ ........
واسمع الى الدليل الواضح والصريح في الحديث الصحيح الوارد في صحيح البخاري ،
ما ورد في صحيح البخاري ( خُفّفَ على داوود القرآن ( عبارة واضحة وصريحة أنّ داوود عليه السلام كان معه قُرآن ) فكان يأمُر بدوابّه أن فتُسرج ، فيقرأُ القرآن من قبل أن تُسرجَ دوابّه ) وهل يستطيع أن يصرف أحدٌ اللفظ عن ظاهره ( القرآن ) ؟؟!!
خُففَ على داوود القرآن ........ نصّ صريح يؤكّد قولنا بأنّ الزبور الذي كان مع داوود هو شيء من القرآن ، يقرأ منه ، تقرّباً الى الله به !! وباللغة العربية ( بلسان عربي مبين ، وإنّه لفي زُبُر الأوّلين ) ، ومعنى الحديث: أنّ داوود أوتي أجزاءً من القرآن يمكن أن يقرأها في وقت قصير ( خُفّفَ ) وقد تكون جزء من القرآن أو أقل ، وخاصّة في القضايا العقائديّة ، كما جاء في قوله تعالى ..( ألاّ تزر وازرة وزر أخرى ...) كانت مع أنبياء سابقين ، وهي تصلح لكل الأزمنة ، كما هي هنا ، في صحف ابراهيم وموسى ، التي تصلح أن تكون صالحة لكلّ زمان ، مع كلّ نبي لأنّ العقيدة عندهم واحدة ثابتة ، وهو يقرأها في وقت كان يأمر فيه خدمه بسرج الدوابّ ، فلا يضيّع وقته في الإنتظار ، فهو يستغلّ وقته في قراءة ، ما معه من القرآن !!! والحديث في الصحيح ..
.
وأسمع معي الى الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده : قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأحد الصحابة : ( ألا أعلّمك خير ثلاث سور أُنزِلت في التوراة والانجيل والزبور والفرقان العظيم ..) ثمّ ذكر ثلاث سور من القصار ..
ومن هنا نفهم أنّ معنى الآية ( وآتينا داوود زبوراً ) أي وآتينا داوود ، من الزُبُر التي نَزَلت على الأنبياء ..أي آيات وسور من القرآن كانت مع أنبياء سابقين ، من القرآن نزلت في كتبهم ، ليتعبّدوا الله بها ، وبلسان عربيّ مبين .
فإذا تدبّرنا القرآن الكريم جيّداً نجد أنّه تتفتّح لدينا الأفهام الصحيحة للقرآن الكريم ، والقرآن الكريم يحتاج منّا الى تدبّر أكبر من مجرّد القراءة ..